الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وقيل: هو بعد ما مضى منه شيء صالح، وفي الكلام تأكيد أو تجريد على قراءة الجماعة على ما قيل، وعلى قراءة {سر} لا شيء من ذلك، وسيأتي لهذا تتمة إن شاء الله تعالى. وحكى منذر بن سعيد أن فرقة قرأت {بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ} بفتح الطاء.{واتبع أدبارهم} وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على أوالهم، ولعل إيثار الاتباع على السوق مع أنه المقصود بالأمر كما قيل للمبالغة في ذلك إذ السوق را يكون بالتقدم على بعض مع التأخر عن بعض ويلزمه عادة الغفلة عن حال المتأخر، والالتفات المنهي عنه بقوله تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} أي منك ومنهم {أَحَدٌ} فيرى ما وراءه من الهول ما لا يطيقه أو فيصيبه العذاب فالالتفات على ظاهره، وجوز أن يكون المعنى لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف لغرض فيصيبه ما يصيب المجرمين فالالتفات مجاز لأن الالتفات إلى الشيء يقتضي محبته وعدم مفارقته فيتخلف عنده، وذكر جار الله أنه لما بعث الله تعالى الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرًا لم يكن له بد من الاجتهاد في شكر الله تعالى وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه وليكون مطلعًا عليهم وعلى أحوالهم فلا تفرط منهم التفاتة احتشامًا منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحالة المهولة المحذورة ولئلا يتخلف أحد منهم لغرض يصيبه العذاب وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم فيرقوا لهم وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا قدمًا غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوي له أخادعه كما قال: أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لأن من يلتفت لابد له في ذلك من أدنى وقفة اه.قال المدقق: وخلاصة ذلك أن فائدة الأمر والنهي أن يهاجر عليه الصلاة والسلام على وجه يمكنه وأهله التشمر لذكر الله تعالى والتجرد لشكره وفيه مع ذلك إرشاد إلى ما هو أدخل فـ يالحزم للسير وأدب المسافرة وما على الأمير والمأمور فيها وتنبيه على كيفية السفر الحقيقية وأنه أحق بقطع العوائق وتقديم العلائق وأحق وإشارة إلى أن الإقبال بالكلية على الله تعالى إخلاص فلله تعالى در التنزيل ولطائفه التي لا تحصى اه، وأنت تعلم أن كون الفائدة المهاجرة على وجه يمكن معه التشمر لذكر الله تعالى والتجرد لشكره غير متبادر كما لا يخفى، ولعله لذلك تركه بعض مختصري كتابه وإنما لم يستثن سبحانه إلامرأة عن الإسراء أو الالتفات اكتفاء بما ذكر في موضع آخر وليس نحو ذلك بدعًا في التنزيل {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قيل: أي إلى حيث يأمركم الله تعالى بالمضي إليه وهو الشام على ما روى عن ابن عباس. والسدي، وقيل: مصر وقيل: الأردن وقيل: موضع نجاة غير معين فعدى {امضوا} إلى {الساحر حَيْثُ} وتؤمرون إلى الضمير المحذوف على الاتساع.واعترض بأن هذا مسلم في تعدية تؤمرون إلى حيث فإن صلته وهي الباء محذوفة إذ الأصل تؤمرون به أي ضيه فأوصل بنفسه، وأما تعدية {امضوا} إلى حيث فلا اتساع فيها بل هي على الأصل لكونه من الظروف المبهمة إلا أن يجعل ما ذكر تغليبًا، وأجيب بأن تعلق {حَيْثُ} بالفعل هنا ليس تعلق الظرفية ليتجه تعدي الفعل إليه بنفسه لكونه من الظروف المبهمة فإنه مفعول به غير صريح نحو سرت إلى الكوفة، وقد نص النحاة على أنه قد يتصرف فيه فالمحذوف ليس في بل إلى فلا إشكال اه، والمذكور في كتب العربية أن الأصل في حيث أن تكون ظرف مكان وترد للزمان قليلًا عند الأخفش كقوله: أراد حين تهدي، ولا تستعمل غالبًا إلا ظرفًا وندر جرها بالباء في قوله: وبإلى في قوله: وبفي في قوله: وقال ابن مالك: تصرفها نادر، ومن وقوعها مجردة عن الظرفية قوله: فحيث اسم إن، وقال أبو حيان: إنه غلط لأن كونها اسم إن فرع عن كونها تكون مبتدأ ولم يسمع في ذلك البتة بل اسم إن في البيت حمى وحيث الخبر لأنه ظرف، والصحيح أنها لا تتصرف فلا تكون فاعلًا ولا مفعولًا به ولا مبتدأ اه، ونقل ابن هشام وقوعها مفعولًا به عن الفارسي، وخرج عليه قوله تعالى: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وذكر أنها قد تخفض بمن وبغيرها وأنها لا تقع اسمًا لأن خلافًا لابن ماكل، وزعم الزجاج أنها اسم موصول، ومما ذكرنا يظهر حال التصرف فيها، واعترض ما ذكره المجيب بأنه وإن رفع به إشكال التعدي لكنه غير صحيح لأنهم قد صرحوا بأن الجمل المضاف إليها لا يعود منها ضمير إلى المضاف، قال نجم الأئمة: اعلم أن الظرف المضاف إلى الجملة لما كان ظرفًا للمصدر الذي تضمنته الجملة لم يجز أن يعود من الجملة ضمير إليه فلا يقال: يوم قدم زيد فيه لأن الربط الذي يطلب حصوله حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفًا لمضمونها فيكون كأنك قلت: يوم قدوم زيد فيه اه، و{حَيْثُ} على ما ذكروا تلزم في الغالب الإضافة إلى الجملة وكونها فعلية أكثر وإضافتها إلى مفرد قليلة نحو: وحيث سهيل طالعًا، ولا يقاس على ذلك عند غير الكسائي، وأقل من ذلك عدم إضافتها لفظًا بأن تضاف إلى محذوفة معوضًا عنها ما كقوله: أي من حيث هبت وهي هنا مضافة للجملة بعدها فكيف يقدر الضمير في {يُؤْمَرُونَ} عائدًا عليها، وقد نص بعضهم على أن {حَيْثُ} لا يصح عود الضمير عليها والذي في البحر أنها ظرف مكان مبهم تعدى إليها {امضوا} بنفسه كما تقول: قعدت حيث قعد زيد، والظاهر أن تعلق الفعل بها كما قال المجيب ليس تعلق الظرفية فلعل ذلك مبني على تضمين فعل صالح لأن يتعلق به الظرف المذكور كالحلول والتوطن وغيرهما.ونقل عن بعضهم القول بأن {الساحر حَيْثُ} هنا ظرف زمان أي امضوا حين أمرتم، والمراد بهذا الأمر ما سبق من قوله تعالى: {قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ} ورد بأن الظاهر على هذا أمرتم دون {تُؤْمَرونَ} مع أن فيه استعمال {حَيْثُ} في أقل معنييها ورودًا من غير موجب، وظاهر كلام بعض الأجلة أن المضارع مستعمل في مقام الماضي على المعنى الذي أشير إليه أولًا وهو يقتضي تقدم أمر بالمضي إلى مكان فإن كان فصيغة المضارع لاستحضار الصورة، وإيثار المضي إلى ذلك على ما قيل دون الوصول إليه واللحوق به للإيذان بأهمية النجاة ولمراعاة لمناسبة بينه وبين ما سلف من الغابرين.
|